“كلمة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ، رئيس النيابة العامة بمناسبة مشاركته في مؤتمر المدعين العامين لغرب الولايات المتحدة الأمريكية بسانتا باربرا بولاية كالفورنيا من 17 إلى 20 يونيو 2019 : ”
السيد رئيس مؤتمر المدعين العامين لغرب الولايات المتحدة الأمريكية؛
زملائي الأعزاء؛
حضرات المدعين العامين؛
حضرات السيدات والسادة المحترمين؛
يسعدني أن أتواجد معكم اليوم بمدينة سانتا بربارا، استجابة للدعوة التي توصلت بها من جمعية مؤتمر المدعين العامين لغرب الولايات المتحدة الأمريكية لحضور لقائها السنوي هذا. ويسرني باسمي الشخصي، وباسم رئاسة النيابة العامة بالمملكة المغربية، أن أتقدم إلى رئيس الجمعية وكافة أعضائها بجزيل الشكر والامتنان على الدعوة الكريمة وحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة.
كما أشكر المنظمين الذين أتاحوا لي فرصة الحديث إلى جمعكم الكريم. واستسمحكم قبل أن أحدثكم عن خصائص النيابة العامة بالمملكة المغربية، أن أذكركم بأن العلاقة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، يعود تاريخها إلى قرون مضت. حيث كان المغرب أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777. كما أن البلدين وقعا لاحقاً سنة 1786 في عهد السلطان محمد الثالث والرئيس جورج واشنطن اتفاقية صداقة، تم تحرير مسودتها بخط يد السيد طوماس جيفرسون، الذي حلَّ بمراكش في 19 يونيه 1786. ولذلك فإننا نحتفل بالذكرى 233 لهذا الحدث يوم غد. مع الإشارة أن السيد طوماس جيفرسون سيصبح لاحقاً الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية.
وتجدر الإشارة كذلك أن أول مبنى ديبلوماسي وقنصلي امتلكته الولايات المتحدة الأمريكية، خارج ترابها، يوجد بمدينة طنجة المغربية، ومازال هذا المبنى المعروف ب American Legation يقوم بدور هام في تقوية العلاقات الثقافية بين البلدين، حيث يستعمل في أنشطة ثقافية.
حضرات السيدات والسادة؛
تعتبر النيابة العامة في المغرب جزءً من السلطة القضائية. ولذلك فإن أعضاءها قضاة ينتسبون للسلك القضائي الموحد، الذي يتم تدبير الوضعيات المهنية لأعضائه – باعتبارهم قضاة – من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويتألف السلك القضائي من قضاة الحكم، ومن قضاة النيابة العامة، الذين يعملون جميعاً بمختلف المحاكم، مع مراعاة اختصاص كل منهم.
نشأت النيابة العامة بالمملكة المغربية منذ سنة 1913. وكانت تخضع لسلطة وزير العدل الذي كان يمكنه إعطاء تعليمات كتابية لأعضائها، يجب عليهم تنفيذها.
وخلال سنة 2017، أصبح القضاء سلطة (pouvoir) مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتم نقل السلطة l’autorité على النيابة العامة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيساً للنيابة العامة. وهو قاضٍ، وعضو بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
يتم تعيين قضاة النيابة العامة ونقلهم وترقيتم وتأديبهم … من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
ولكنهم خلافاً لزملائهم قضاة الحكم، ينتسبون إلى سلطة رئاسية تسلسلية هرمية، تنتهي بالوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
وإذا كان قضاة الحكم ملزمين بتطبيق القانون وحده. فإن قضاة النيابة العامة بالإضافة إلى التزامهم بتطبيق القانون، يطبقون تعليمات رؤسائهم كذلك. ويشترط الدستور أن تكون تعليمات الرئاسة مكتوبة ومطابقة للقانون. ويمكن لعضو النيابة العامة التظلم إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية مباشرة، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد.
ويتكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يرأسه جلالة الملك، الذي ينيط به الدستور حماية استقلال القضاء، من 20 عضواً من بينهم 10 قضاة منتخبين من بين قضاة المحاكم (قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة).
و5 شخصيات معينة من طرف جلالة الملك وخمس شخصيات بحكم مهامها، من بينهم الرئيس الأول لمحكمة النقض الذي يعتبر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، الذي هو رئيس النيابة العامة.
يعين المسؤول عن النيابة العامة ومساعديه لدى كل محكمة من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويعتبر مسؤولاً عن سير النيابة العامة بالمحكمة التي يعمل بها، وله سلطة على مساعديه. ويقع جميع أعضاء النيابة العامة تحت سلطة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض (رئيس النيابة العامة بكامل المملكة).
وينيط القانون بالنيابة العامة صلاحيات واسعة. نذكر من بينها :
– الإشراف على الأبحاث والتحريات التي تقوم بها الشرطة القضائية. ويعتبر قضاة النيابة العامة رؤساء لهؤلاء الضباط في ممارسة تلك المهام، يمكنهم أن يوجهوا أبحاثهم، ويكلفوهم بالقيام بالتحريات والإجراءات التي يرون أنها مفيدة؛
– ممارسة الدعوى العمومية في جميع الجرائم. حيث يمكنهم تحريك الدعوى العمومية وتتبع سيرها في جميع مراحل التقاضي حتى مرحلة تنفيذ الحكم. وممارسة الطعون المتعلقة بها؛
– يملك قضاة النيابة العامة سلطة وضع المتهمين رهن الحراسة النظرية أو الاعتقال الاحتياطي. كما يمكنهم إقامة الدعوى العمومية عن طريق توجيه استدعاء للمتهم للمثول أمام القاضي؛
– يحضر ممثل النيابة العامة في جميع المحاكمات الجنائية باعتباره جزءً من تشكلة المحكمة (la formation de la cour)، ويجلس على يمين القضاة، على نفس المنصة باعتباره قاضياً يمثل المجتمع بكامله. ولكنه لا يحضر في مداولات المحكمة؛
– تمارس النيابة العامة كذلك بعض المهام في الدعاوى المدنية والتجارية، وتحضر في جلسات المحاكم المتعلقة بقضايا الأسرة.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد استقلت النيابة العامة عن وزارة العدل منذ 7 أكتوبر 2017، وأصبحت لها رئاستها القضائية منذ ذلك التاريخ. وخلال أقل من سنتين من تأسيسها، أصبحت رئاسة النيابة العامة بالمملكة المغربية، عضواً بالجمعية الدولية للمدعين العامين، ونائباً لرئيس جمعية المدعين العامين بإفريقيا، ونائبا لرئيس جمعية النواب العموم العرب، وعضواً ملاحظاً بالمجلس الاستشاري للوكلاء الأوروبيين.
ويَسُرُّها أن تحضر معكم اليوم في أفق فتح صفحة جديدة في العلاقات المتميزة بين المغرب والولايات المتحدة، ونؤمل في التوصل إلى عقد اتفاق صداقة وتعاون مع جمعيتكم لتبادل التجارب والخبرات وتقوية جسور التعاون لتحقيق الأهداف السامية للعدالة التي نسعى جميعاً للوفاء بها.
أجدد لكم امتناني من أجل الدعوة. وأشكركم على قبول الاستماع إلي.
والسلام عليكم.
مَحمد عبد النباوي
الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة