بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
السيد الرئيس الأول والسادة رؤساء الغرف و المستشارون ؛
في يومٍ تاريخي مثلَ هذا اليوم، الذي تُقْدِمُ فيه محكمَتُكُم الموقرة على تنفيذ الأمر المولوي السامي بتنصيبي وكيلاً عاماً لجلالة الملك لدى محكمة النقض.
وفي لحظة مباركة كهذه يلتئم فيها هذا الحشدُ الكريمُ من رجالات الدولةِ وكبارِ قضاةِ المملكة، غداة تأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لا أجدُ فكرةً أستهلُ بها هذه الكلمة خيراً من مقولة جلالة الملك حفظه الله التي افتتح بها أشغال المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 15 دجنبر 1999، إذ قال حفظه الله :“إن العدالةَ؛ كما لا يخفى، هي الضامنُ الأكبرُ للأمنِ والاستقرارِ والتلاحمِ الذي به تكونُ المواطنةُ الحقّة. وهي في نفسِ الوقتِ مؤثِّرٌ فاعلٌ في تَخليق المجتمع وإشاعةِ الطمأنينةِ بيْن أفراده وإتاحَةِ فُرَصِ التطور الاقتصادي والنمو الاجتماعي وفتح البابِ لحياةٍ ديمقراطيةٍ صحيحةٍ تُمكِّن من تحقيقِ ما نصبو إليه من آمال”
. – (انتهى النطق الملكي الكريم)-.
السيد الرئيس؛
إنّ مؤسسةً مُنَاطٌ بها هذا الدورُ العظيمُ في حياةِ أمةٍ من الأمم، لهي بلا ريب منْ أعظمِ المؤسسات في الدولة، لأنها تضمنُ الأمنَ والاستقرارَ، وتُسْهِم في تلاحُمِ المواطنين، وتؤثِّر على تخليقِ المجتمع وشفافية المؤسسات الأخرى، و توفر المناخ الملائِم للنمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي وتُشْرِعُ الأبوابَ للحياةِ الديمقراطية الصحيحة.
ولذلك فلا يسعني، السيد الرئيس والسيداتُ والسادةُ أعضاءُ هيئةِ المحكمةِ الموقرين، سوى أن أنحني إجلالا وتقديراً للنساءِ والرجال الذين يحملون مشعل العدالة ويَمْضُون بلا هوادة في بناء صرْحِها الشامخ، لتكون عند حسن ظن صاحب الجلالة والمهابة بها، في تحقيق آمال وتطلعات المغاربة.
وأُعلِن أمامكُم عن التزامي بالقسم الذي أديته بين يدي جلالة الملك، وأن أكون إن شاء الله حريصاً على الوفاءِ لقيمِ العدالةِ ومبادئِ الإنصاف، منتصراً للمصالح العليا للوطن والمواطنين، وأن أجعلَ من مؤسسةِ النيابة العامة أداةً فعالةً لمكافحةِ الجريمة والمجرمين، صوتاً للضحايا والمظلومين، وأداةً تساهم إلى جانب باقي مؤسسات الدولة الأخرى في تخليق الحياة العامة وشفافية التدبير الإداري في كل ما ينيطُهُ بها القانون من صلاحيات.
ومن هذا المنبر الموقر، أعلن باسم أعضاء النيابة العامة عن دعم استقلال القضاء والدفاع عن مؤسسات الدولة، والحرصِ على حماية الحقوق والحريات التي يكفلُها الدستور للأفرادِ والجماعاتِ وأمُدُّ يدي، للتعاون البنَّاءِ لما فيه صالحُ المواطنين، مع كل المؤسسات القضائيةِ والهيئاتِ والأشخاصِ، ولا سيما الهيئةَ القضائيةَ وهيئةَ الدفاع وباقي المهنِ القضائية ومصالحِ الشرطةِ القضائية ومنظمات المجتمع المدني. ولسوف نفتح إن شاء الله، في الوقت المناسب، حواراً مع مختلف الفعاليات المهتمة بشأن العدالة، غايتُهُ وضعُ برنامج واقعي لتدخلِ النيابة العامة، لتحقيق الأهداف المسَطَّرة في الخطاب الملكي ل 20 غشت 2009، وذلك عَقِبَ انتقالِ سلطةِ تسييرِ هذه المؤسسة إلى الوكيل العام للملك المقررةِ بعْدَ قرابةِ ستة أشهر من اليوم … وأننا سنشرعُ في الأيامِ القادمةِ في مباشرة الإجراءات مع الجهات المعنية والمختصة لتوفير مقرٍ لرئاسةِ النيابةِ العامة والإطارِ البشري والمادي والتنظيمي اللازم لها لمباشرة عملها، مؤملين أن نجد السند والدعم في ذلك حتى يحدث انتقال السلطة في ظروف جيدة تضمن استمرار المؤسسات وتلافي الفراغ، في احترام تام لتوجيهات جلالة الملك النيرة.
ولا شك أنني سأجد كل الدعم في صديقي الكبير الأستاذ محمد أوجار وزيرِ العدل لتدبير المرحلة الانتقالية لغاية تسليم السلط في مطلع شهر أكتوبر المقبل إن شاء الله لما يتوفر عليه من خصال وما حباه الله من صفات. كما أعلن عن كامل استعداد النيابة العامة للتفعيل الناجع لمقتضيات الفصل الأول من الدستور للتعاون البناء مع جميع السلطات من أجل ضمان استمرار انسجام أدائها داخل هذه الدولة المحروصة بعناية الله تحت قيادة جلالة الملك.
السيد الرئيس الأول المحترم والسادة رؤساء الغرف والمستشارون المحترمون؛
إن اللحظة التي نعيشها، لحظةً تاريخيةً بكل المقاييس .. ففي أسبوع واحد نصَّب جلالةُ الملك المؤيدِ بنصر الله، إلى جانب الحكومة، المحكمةَ الدستوريةَ التي ستضطلع لاحقاً باختصاص جديد يتيح للمتقاضين الطعنَ أمامها بعدم دستورية القوانين، وهو ما يعتبر ثورة حقوقية حققها دستور 2011. كما تمَّ تنصيبُ المجلسِ الأعلى للسلطةِ القضائية الذي يُعْتَبَرُ تاريخُ تنصيبه يوم 6 أبريل 2017 هو تاريخُ ميلادِ سلطةٍ قضائيةٍ جديدة في الدولة، مستقلةٍ عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وقليلٌ من الدساتير حققتْ مثلَ هذا الإنجاز العظيم.
وإنني بصفتي عضواً في هذا المجلس سأساندُ كل المواقفِ والقراراتِ الرامية إلى تكريس استقلالِ السلطة القضائية، والذي لنْ تتحقق دونَ انخراطِ جميع القضاةِ في بناء لبناته مُوَحَّدِين بالمبادئ السامية للعدالة التي أقسموا على الوفاء لها، والمتمثلةِ في الحياد والنزاهة والتجرد. ولذلك أدعو جميع زملائي إلى نبذِ الفرقة والانقسام، والاتحادِ على هذه المبادئ والعملِ سويةً على تنفيذ توجيهات جلالة الملك رئيس هذه السلطة، من أجل استحقاق الثقة الغالية التي وُضِعَت فيهم، واستحقاقِ شرف تسيير مجلسها الأعلى إلى جانب ثلة من خِيرَة الكفاءات القانونية والحقوقية في بلادنا المصونة بعناية الله.
السيد الرئيس الأول والسادة رؤساء الغرف والمستشارون؛
اسمحوا لي أن أوجه عبارات الشكر والامتنان والعرفان لكل الشخصيات التي لبت الدعوة لحضور هذه الجلسة الرسمية. وقد كان بودي أن أخاطبهم بأسمائهم وصفاتهم واحدا واحداً، ولكن الأعراف القضائية الراسخة تقتضي أن تكون هيئة المحكمة وحدها المخاطبُ أثناء انعقاد مجالس القضاء، ولذلك فإنني أشكرهُم جميعاً، وأشكرُ كل من هنأوني بالثقة الغالية التي وضَعَهَا جلالة الملك حفظه الله في شخصي المتواضع، وفي مقدمتهم صديقي العزيز السيد مصطفى مداح الوكيل العام للملك السابق الذي يُعتبر من خِيرة قضاة النيابة العامة كما يَشْهَدُ بذلك عطاؤُه الغزير ومنجزاته التي حققها خلال السنوات التسع الأخيرة التي قضاها بهذه الدار بصفته وكيلاً عاماً لجلالة الملك لدى محكمة النقض، وأتمنى له التوفيقَ والسعادةَ فيما يُستقبل من الأيام. كما أحيي السادةَ الوكلاءَ العامين السابقين لهذه المحكمة وهم من عظماء القضاة وأعلامِهِم، وأترحَّمُ على من قضى نحبه منهم، وأدعو للأحياء بالصحة والسعادة.
ولابد أن أستحضر في هذه اللحظة السادة وزراء العدل الذين تشرفت بالعمل إلى جانبهم وأخص بالذكر من بينهم عَالَمَيْن بارزين من قيادات بلدنا هما السيد الرئيس عبد الواحد الراضي والسيد وزير الدولة المصطفى الرميد اللذين كانا – خلال فترة عملي إلى جانبهما – السند الداعم للمديرية التي كنتُ أسيرها. ولأنني عاجز عن الوفاء لهما بحقهما في كلمات قليلة كما يقتضي المقام ذلك، فإنني أكتفي بأن أقول لسيادتهما : شكرا لكما على المقام الخاص الذي خصصتموه لشخصي المتواضع والذي كنت أشعر فيه بالعمل مع أصدقاء وليس مع رؤساء، وهذا ساعدني دائما على تقديم المشورة لكما وفقا لما يمليه علي ضميري. وأرجو الله أن تتاح لي فرصة الحديث عنكما في مناسبة أخرى أتمكن فيها من تعداد أفضالكما ومناقبكما.
كما أترحم على روح الفقيدين الوزيرين السيد محمد بوزبع والسيد محمد الناصري وأدعو لهما بالرحمة والمغفرة.
كما اسمحوا لي أن أشكر السادة قضاةَ محكمةِ النقض وأعضاءِ النيابة العامة بها على حسن الاستقبال والإرادة الصادقة التي أبدوها للتعاون مع مؤسسة الوكيل العام للملك.
كما أشكركم السيد الرئيس الأول المحترم على ما قمتم به، وما عبرتم عن نيتكم القيام به لبناء جسور التعاون مع النيابة العامة على أساس القانون وخدمة قيم العدالة. ولا شك السيد الرئيس أن في خصالكم ومناقبكم ما يقوي ضعفي ويشد أزري حتى نتمكن معاً من النهوض بالأمانة العظمى التي طوقنا بها جلالة الملك.
والشكر موصول لجميع قضاة المملكة، وللسادة الوكلاء العامين ووكلاء الملك وباقي أعضاء النيابة العامة بالوطن وقضاة وأطر وموظفي مديرية الشؤون الجنائية والعفو الذين كانوا لي سندا وعونا على أداء مهامي على رأس هذه المديرية خلال السنوات العشر الماضية.
السيد الرئيس الأول والسادة أعضاء المحكمة؛
لأَنَّ ختامَ مجلسكُم المباركُ هذا لا يمكن أن يكون سوى من أريج المسك، فإني أرفع من جديد آيات الولاء لصاحب الجلالة المنصور بالله، وأدعو الله أن يحفظَ جلالتَهُ في الحل والترحال قائداً مُلْهماً لهذا البلد الأمين، ومجدداً لبناء صرح العدالة ودولة القانون، وأرجو الله أن يعينني على تحمل الأمانة التي طوقني بها، حتى أكون عند حسن ظن جلالته وفي المستوى المطلوب لتنفيذ التوجيهات السامية التي كلفني بها، وأن أكون- كما كنتُ دائما- جنديا مخلصا لجلالته للدفاع عن الحق العام والذوذ عنه بعزيمة وإصرار، وأن أستميت “في حماية النظام العام و صيانته وفقا لما يقتضيه القانون وعملا بمبادئ العدل والإنصاف، التي ارتآها جلالة الملك نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون القائمةِ على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات أفرادا وجماعات في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات”.
حفظ الله مولانا أمير المؤمنين بما حفظ به الذكر الحكيم، وأيده بنصره المتين وأقر عينه بولي عهده سمو الأمير الجليل مولاي الحسن وشقيقته المصونة الأميرة للا خديجة وشد أزره بشقيقه سمو الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد العائلة الملكية الكريمة. آمين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الوكيل العام للملك
لدى محكمة النقض
محمد عبد النباوي