بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
السيد وزير العدل
حضرة السيدة وحضرات السادة رؤساء المحاكم ووكلاء الملك؛
في مناسبة كهذه تتاح فيها الفرصة لاستقبال وتقديم المسؤولين القضائيين الجدد، لابد من تقديم الشكر لمن فكر في إقامة هذا الحفل وسهر على تنظيمه. والفضل للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الأستاذ مصطفى فارس ولمن خلفه من أعضاء المجلس وهياكله الإدارية.
وفي هذه المناسبة أيضا، أتقدم إليكم، السيدة والسادة رؤساء المحاكم ووكلاء الملك لديها، بأحر التهاني من أجل الثقة الغالية التي وضعها فيكم جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ووافق على اقتراحات المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتعيينكم في المسؤوليات المختلفة التي قلدتموها عن جدارة واستحقاق.
وإني إذ أرجو لكم التوفيق والسداد في مهامكم الصعبة، لموقن أنكم تُقْبِلُون على مهامكم بعزيمة صلبة وإيمان راسخ للوفاء برسالة القضاء النبيلة ورفع تحديات المسؤولية القضائية في هذه الظرفية التاريخية التي يَعرف فيها المشهد القضائي تحولات دستورية وقانونية، قد تترتب عنها إشكاليات جديدة في التدبير والتسيير الإداري للمحاكم، سيتعين عليكم التغلب على مشاكلها وتذليل إكراهاتها بالحكمة والرزانة، لتلافي الإضرار بالمصلحة العامة. وإني لأعلم أن بعضكم ستعترضه منذ البداية مشاكل جدية، ولاسيما المسؤولين الذين عينوا في بعض المحاكم المستحدثة، الذين يتعين عليهم مواجهة إكراهات التأسيس المتعددة.
غير أن بلوغ هذا الهدف، وتكريس استقلال السلطة القضائية وتحقيق النجاعة والفعالية في أداء المحاكم وقربها من المواطن واستجابتها لتطلعاته وحاجياته من مرفق العدل، لا يمكن أن يتحقق بالتمني ولا بالنصوص القانونية والتنظيمية وحدها، بل إن عماد النجاح في كل ذلك، رهين “بالضمير المسؤول” لكل واحد منا، الذي عبر عنه جلالة الملك في خطاب العرش للسنة الرابعة عشرة.
ولذلك، فالمسؤول القضائي اليوم مطالب بأن يكون في نفس الآن فقيها قانونيا ومهندسا للعدالة، يستشرف المشاكل والإشكالات ويستبقها بحلول ناجعة تحقق انسجام وتكامل أداء مكونات المحكمة، مع تحديث آليات ومساطر التصريف اليومي لحاجيات المواطنين من العدالة وتأطير القضاة ولاسيما الشباب منهم وتوجيههم وحمايتهم من كل المؤثرات التي قد تحد من عطائهم أو تنحرف بهم عن مسار القاضي الناجح.
وهي مسؤولية جسيمة، لا يمكن تحملها بنجاح إلا من خلال التمسك بروح القانون والعدل، وامتلاك مهارات الاستماع، وسعة الصدر، وأخذ نفس المسافة من كل مكونات المحكمة ومن محيطها. والابتعاد عن كل الإغراءات والمؤثرات، والحرص على توطيد علاقات الاحترام والتقدير المتبادل بين مكونات المحكمة من قضاة وكتاب الضبط ومساعدي العدالة، ليلتئم الجميع على هدف واحد، هو خدمة المواطن وخدمة عدالة الوطن.
حضرات السيدات والسادة؛
اليوم، يتم استقبال 12 وكيلا للملك، من بينهم عشرة وكلاء يتولون هذا المنصب للمرة الأولى. وهذا مؤشر دال على إقدام الجسم القضائي على تجديد نُخَبِه، وتعزيز صفوف المسؤولين بكفاءات جديدة. أغلبها من الشباب تُوكل إليهم مسؤوليات حساسة يتطلبُ الوفاءُ بها التوفرَ على مؤهلات عالية والتحلي بأكرم الشيم وأنبل الصفات.
وإذا كان السادة وكلاء الملك الجدد يُعْتَبرون من خيرة القضاة خُلُقاً وتكوينا، فإنهم مطالبون اليوم بمزيد من الحرص والحذر، للوفاء بالالتزامات التي تفرضها عليهم مسؤوليتهم .. ولا شك أنهم يستحضرون في المقام الأول التعليمات الملكية السامية التي أمرنا جلالة الملك بمقتضاها “بالدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته، مع التمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتآها جلالة الملك نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفراداً وجماعات، في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات”.
وبطبيعة الحال فإن الوفاء بهذه الالتزامات يمر عبر الحرص على تنفيذ تعليمات رئاسة النيابة العامة القانونية والكتابية التي ترسم لكم آليات تنفيذ السياسة الجنائية التي يضعها المشرع. ولذلك أدعوكم إلى العمل على دراسة المناشير والدوريات الموجهة إلى أعضاء النيابة العامة، والعمل على تطبيقها. وهي تشكل على العموم توجيهات مطابقة للقانون، تبين كيفيات التعامل مع بعض الظواهر الإجرامية التي تستأثر باهتمام المواطنين أو تشكل تهديداً لأمن البلد وساكنته. وتدعو كذلك إلى التمسك الصارم باحترام القانون وحماية حقوق وحريات الأشخاص المكفولة بمقتضى الدستور والقانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان أو لمنع الجريمة.
حضرات السادة وكلاء الملك؛
إذا كنا موقنين أنكم ستجدون في رؤسائكم المباشرين السادة الوكلاء العامين للملك الدعم والسند، للقيام بمهامكم، وتذليل الصعاب، فإني أؤكد لكم أن رئاستكم ستظل إلى جانبكم لتصغي طلباتكم، وتساعد على حل بعض الإشكاليات التي تتطلب تدخلها. كما أننا سندعوكم قريبا – إن شاء الله – لتكوين على المسؤولية، يؤطره قدماء الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك. ولن نذخر جهداً في سبيل تأطيركم وإعطائكم الفرصة للرفع من مهاراتكم، إيماناً منا بأن التكوين هو المعبر السليم لنجاح المسؤول.
فبإسمي شخصيا، وباسم جميع زملائكم أعضاء النيابة العامة أتقدم إليكم السادة وكلاء الملك، وإلى السيدة والسادة رؤساء المحاكم – مرة أخرى – بأصدق التهاني، وأدعو لكم جميعاً بالتوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.