بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على مولانا أشرف المرسلين
-السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
-السيد والي جهة العيون الساقية الحمراء؛
-السيد مدير التشريع ممثل السيد وزير العدل؛
-السيد القائد المنتدب للموقع العسكري؛
-السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالعيون؛
-السيد الوكيل العام للملك لدى نفس المحكمة؛
-السيد والي الأمن بالعيون؛
-السيد القائد الجهوي للدرك الملكي بالعيون؛
-السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب؛
-السيد رئيس الجماعة الحضرية بالعيون ورئيس المجلس الإقليمي والمنتخبون؛
-السيد نقيب هيئة المحامين بأكادير كلميم العيون؛
-السادة ممثلو القنصليات بمدينة العيون؛
-السيد نقيب هيئات المحامين بموريتانيا، والسيد نقيب جزر القمر؛
-السادة المسؤولون القضائيون والقضاة؛
-السادة النقباء وأعضاء مجالس هيئات المحامين؛
-السادة رؤساء المجالس الإقليمية والجماعية؛
-السادة المنتخبون كل باسمه وصفته؛
-السادة ممثلو مختلف القطاعات؛
-السيدات والسادة نساء ورجال الإعلام؛
-حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه.
إنه لمن دواعي اعتزازي وسروري أن أشارك معكم في افتتاح أشغال هذه الندوة المندرجة ضمن فعاليات الملتقى الثالث للعدالة، والتي يتم تنظيمها في هذه الربوع العزيزة على قلب كل مغربي والتي قال فيها الشاعر:
” أنت العيون،أنت عيوني
ومهجتي
والخضراء مسيرتي
مدينة الصفاء
عاصمة الصحراء”
بهذه الأوصاف الجميلة لمدينة العيون، يطيب لي أن أتوجه بالشكر الجزيل للقائمين على هذه الفعالية العلمية، والذين لم يدخروا جهداً في سبيل إنجاحها، وإذ أهنئهم على حسن اختيار الموضوع بالنظر لما يمتاز به من أهمية وراهنية، فإن اختيار المكان والزمان هو أيضا مدعاة للتهنئة، حيث شهدت هذه الربوع، وفي مثل هذا الوقت حدثا منقطع النظير، ينم عن الذكاء والحنكة السياسية لباني المغرب الحديث المشمول برحمة الله المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، والمتمثل في المسيرة الخضراء المظفرة.
إن انعقاد الملتقى الثالث للعدالة حول موضوع النموذج التنموي يعتبر وقفة تأمل من أجل تدارس والوقوف على ما جاء في تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد والذي يحمل تشخيصا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويقدم رؤية استشرافية للتوجهات التي ينبغي أن تسير عليها بلادنا في أفق سنة 2035، ولهذا أعتقد شخصياً أن انعقاد هذا الملتقى لمناقشة موضوع على درجة عالية من الأهمية لتعلقه بموقع العدالة ضمن النموذج التنموي، قد جاء في الوقت المناسب، ولا غرو في أن هذه الندوة ستكون مناسبة سانحة لتبادل الأفكار حول الدور الذي ينبغي أن تقوم به مختلف مكونات العدالة من أجل تنزيل مضامين النموذج التنموي الجديد.
حضرات السيدات والسادة
إن مسألة إعادة تحديد كيفيات استثمار مقومات التنمية في مختلف المجالات بالنسبة لبلادنا، ليست من باب “الترف الفكري” أو “الكماليات المؤسسية” بل هي مسألة استراتيجية تنم عن بصيرة وحكمة جلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين. حيث ما فتئ جلالته منذ سنة 2017 يؤكد على ضرورة إعادة النظر في نموذجنا التنموي الذي لا يواكب التطورات التي تعرفها بلادنا في مختلف مناحي الحياة.
وفي هذا الإطار لا يفوتني أن أثمن المجهودات الجبارة التي قام بها رئيس وأعضاء اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد والتي يعد تقريرها وثيقة ترسم آفاق التنمية لبلادنا في أفق سنة 2035، مع ما يتطلبه هذا الأمر من فتح نقاش متميز ومستفيض ومسؤول لكل القضايا التي تم طرحها سواء تعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية أو الاقتصادية أو الحقوقية أو الثقافية أو التربوية أو غيرها من القضايا وذلك عبر توظيف كل الإمكانيات المتاحة من أجل فهم مضامينه وخلق تعبئة شاملة وإجماع وطني حوله بالنظر لأهميته الاستراتيجية.
لذلك، فإن تنزيل مضامين النموذج التنموي، الذي يرعاه جلالة الملك على أرض الواقع يتطلب تعبئة مؤسسات الدولة لتكون قوية مبدعة ومبادرة ومتفاعلة مع مضامين النموذج التنموي الجديد وقادرة على تنزيل مقتضياته وفق مقاربة تشاركية ديمقراطية من أجل ربح رهان التنمية المنشودة.
حضرات السيدات والسادة
إن رئاسة النيابة العامة، ووعيا منها بأهمية الانخراط في هذا الورش الكبير، قامت بتشخيص الوضع القضائي الراهن وأنجزت تصوراً حول الموضوع عرضته على اللجنة المعنية واقترحت مجموعة من الإجراءات التي تعتبرها كفيلة بالرفع من مستوى مساهمة القضاء في تحقيق التنمية، مستحضرة خطاب مولانا المؤيد بنصر الله جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة المصادفة ليوم 08 أكتوبر 2010 حيث قال جلالته:
ومن بين المجالات الأساسية التي يضطلع فيها القضاء بدور هام في تحقيق التنمية، تحفيز وتشجيع الاستثمار، فالمستثمر لا يُقدم على الاستثمار إلا إذا كان النظام القضائي مؤهلاً لحماية استثماراته وقادراً على المحافظة له على ممتلكاته وحقوقه. وبطبيعة الحال، فإن انشغالات المستثمر تركز على استقلال القضاء ونزاهته. وبالقدر نفسه تركز على شفافية النظام القانوني وانسجام القوانين مع متطلبات التنمية ومستجدات السوق، بالإضافة إلى حماية المنافسة الحرة المشروعة التي تعتبر من بين الاهتمامات الأساسية بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين الذين يهتمون بمدى نجاعة الدولة في حماية المنافسة المشروعة ومنع الممارسات غير المشروعة. ويقوم القضاء بدور أساسي في هذا المجال، يتوقف عليه تطوير المبادرة الحرة، ومنع تضارب المصالح، ومكافحة الفساد المؤدي إلى اختلال موازين القوى الاقتصادية.
وإلى جانب ذلك، يضطلع القضاء بدور أساسي في ما يتعلق بضمان الأمن القضائي للأطراف حيث يعتبر دور القضاء في هذا المجال جد أساسي فهو يضمن استقرار المعاملات ويحمي المراكز القانونية للأطراف. ولذلك يشكل الاجتهاد القضائي المستقر والثابت ضمانة لاستقرار المعاملات ويسمح للأطراف ببناء علاقاتهم على أسس ثابتة تحفظ حقوقهم. ولذلك فإن التغير المفاجئ أو المتكرر للاجتهاد القضائي لا يحقق الأمن القضائي للأطراف، الذين بنوا اتفاقاتهم على أساس موقف قضائي معين سرعان ما يتغير ليعصف بحقوقهم.
ومن الأدوار التي يضطلع بها القضاء والتي تعتبر محفزاً أساسياً للتنمية ما يتعلق بحماية الحقوق والحريات وحقوق الإنسان، فحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد والجماعات تساعد في تحقيق الاستقرار وتشجيع الإبداع والابتكار، وهي مقومات أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، إعمالا لمبدأ محورية الإنسان في مخططات التنمية وفق ما يؤكد على ذلك إعلان حقوق التنمية لسنة 1986. ويضطلع القضاء بدور محوري بهذا الخصوص حيث أناط به دستور المملكة حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي (الفصل 117 من الدستور) كما يساهم في صون حقوق الإنسان عبر التمكين القانوني للمواطن من هذه الحقوق وأيضا عندما يتعلق الأمر بالمساطر الجنائية من خلال مراقبة شرعية الإجراءات ومدى احترام شروط وضمانات المحاكمة العادلة.
ومن تجليات دور القضاء في التنمية مساهمته في توفير الأمن، فالتنمية والأمن مفهومان مترابطان، إذ لا يمكن تصور تحقيق تنمية مستدامة دون توفير شرط الأمن بمعناه الواسع وهو ما تساهم النيابة العامة في تحقيقه من خلال تنفيذها للسياسة الجنائية وردع كل أشكال السلوكات التي تمس بالأمن والنظام العام.
وتُعتبر مسألة دعم قيم النزاهة والشفافية من التجليات الأساسية التي تبرز دور القضاء في التنمية، حيث أن هناك علاقة جدلية بين النزاهة والشفافية وتحسين مناخ الأعمال وتحقيق النمو الاقتصادي، ويعتبر القضاء أهم الجهات المعول عليها بهذا الخصوص سواء على مستوى صون مبدأ المساواة أمام القانون والمساواة في الحقوق والواجبات والاستفادة من الفرص أو على مستوى ردع كل الممارسات المخالفة للقانون.
حضرات السيدات والسادة
بالرجوع إلى تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، نجد أنه قدم تشخيصاً موضوعياً ودقيقاً للوضع القضائي الراهن، فعلى الرغم من الإصلاحات التي تم إطلاقها لضمان استقلالية القضاء وتعزيز فعاليته والثقة فيه، فإن إحراز النتائج يعرف بعض التأخر، ويعزو تقرير اللجنة ذلك إلى ضعف التنسيق بين مؤسسات العدالة بالإضافة إلى بعض الإشكاليات المرتبطة بالآجال الطويلة للبت في الملفات، وعدم مواكبة كفاءات القضاة ومساعدي القضاء للتطورات التي يعرفها المجتمع.
كما أشار التقرير إلى محدودية الشفافية، وبعض القصور على مستوى السلوك والأخلاقيات، والتباين الصارخ في العديد من النصوص القانونية وتفاوتها مع الواقع، وضعف رقمنة المساطر التي يمكن أن توفر للمواطن خدمة قضائية قريبة وفعالة، بالإضافة إلى ضعف التحكيم والوساطة.
حضرات السيدات والسادة
على الرغم من المعيقات التي تم بسطها بروح من الموضوعية والمسؤولية التي تتطلبها المرحلة فإننا بذات الروح، وبيقين راسخ، نرى أن قضاءنا يتوفر على مجموعة من المؤهلات التي يجب استثمارها وتطويرها، ليس فقط لجعل القضاء قاطرة للتنمية بل أيضا للسمو به لأعلى المراتب ليصبح نموذجاً يحتذى به في الأنظمة القضائية المقارنة. وأعتقد شخصياً أن القضاء المغربي قادر بنسائه ورجاله بالنظر لما يتحلون به من روح المسؤولية العالية على كسب رهان تحقيق التنمية وفقاً للنموذج التنموي الذي يتطلع إليه المغاربة.
ولذلك يجب أولا وقبل كل شيء العمل على تعزيز الثقة في العدالة، وهذه المسألة لا تعني القضاء وحده وإنما تعني مختلف مكونات منظومة العدالة (مهنيو العدالة، مساعدو القضاء وكل العاملين فيه). وذلك عبر بناء جسور التواصل وتحصين العمل بالقيم والممارسات الفضلى وجعل المحاكم فضاءات لإنتاج عدالة ناجعة فعالة قريبة من انتظارات المواطنين، وفضاءات للثقة والاطمئنان.
ويمكن أن يتأتى ذلك أيضا عبر تفعيل واتخاذ مجموعة من التدابير، منها ما هو مرتبط بتبسيط الإجراءات والمساطر، وتحديث منظومة العدالة ورقمنتها، وتكريس الأمن القضائي وحماية الحقوق والحريات والتطبيق السليم والعادل للقانون والفصل في المنازعات والدعاوى داخل آجال معقولة.
ومنها أيضاً ما هو مرتبط بالرفع من دور القضاء في مكافحة الفساد والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وتشجيع الاستثمار، وتعزيز الأمن القضائي.
كما أن تنزيل مضامين النموذج التنموي الجديد تقتضي مقاربة تشاركية تنخرط فيها كل مكونات العدالة، لتكون هذه الأخيرة في الموعد وتستجيب لانتظارات المواطن وتكون من بين المؤسسات القيادية لقاطرة التنمية ببلادنا.
ختاماً، إذ أجدد شكري لجميع القائمين على هذه الفعالية العلمية المتميزة، فإني أتمنى لأشغالها التوفيق والسداد، راجيا من العلي القدير أن يكون قضاؤنا عند حسن ظن مولانا الإمام القاضي الأول جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بما حفظ به الذكــر الـحكيم وأدام له النصــر والتمكين وأقـر عـينه بـولي عــهــده الأمـير الجـليـل مولاي الحسن وصنوه الرشيد مولاي رشيد وكافة أفراد أسرته الشريفة إنه سميع الدعاء. وشمل برحمته وغفرانه وثوابه فقيد الأمة ومبدع المسيرة الخضراء جلالة الملك الحسن الثاني على ما قدمه من جليل الخدمات والعطاء للوطن إنه سميع الدعاء وبالاستجابة جدير.
وفقنا الله لما يحبه و يرضاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.