كلمة السيد رئيس النيابة العامة بمناسبة الورشة التنسيقية بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي (الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي) مراكش 12-13 أبريل 2021:
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم.
السيدة ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب – اليونسيف-؛
السيد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي؛
حضرات السيدات والسادة، الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير الواجب له.
اسمحوا لي في البداية أن أعبر لكم عن سعادتي بهذا اللقاء التنسيقي الذي يجمعنا اليوم حول موضوع يهمنا جميعا، نسعى فيه إلى فتح النقاش واسعا وتبادل الرأي حول حجمه ومداه والحلول للحد منه وهو موضوع “زواج القاصر”.
ويندرج هذا اللقاء في إطار تفعيل مقتضيات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء الذي تم توقيعه بين يدي الأميرة الجليلة للامريم وتنزيلا لمذكرة التفاهم المنبثقة عنه والموقعة بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، وننظم هذا اللقاء بدعم من شريكنا الاستراتيجي : منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونسيف -، وهي مناسبة أغتنمها لتوجيه شكر خاص لكافة الأطراف من أجل الانخراط الجاد لتفعيل الالتزامات الملقاة على عاتقنا جميعا لحماية الطفولة المغربية على رأسهم السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي والسيدة ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب.
حضرات السيدات والسادة؛
مما لاشك فيه أن قضايا زواج القاصر من القضايا ذات الراهنية الكبرى في المجتمع لتأثيرها المباشر على حق الطفل في الحياة والنماء والرفاه والسلامة الجسدية والنفسية وغيرها من الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية ذات الصلة.
والمغرب بصفته دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج وغيرها وتماشيا مع التزاماته الدولية، لاءم قانونه الوطني وحدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة شمسية كاملة كقاعدة عامة، غير أنه وضع استثناء على ذلك كغيره من الدول وسمح بزواج من لم يبلغ السن القانوني، وأخضعه لمجموعة من الشروط وأهمها أنه جعل الإذن بيد القضاء ومنحه سلطة تقديرية في منح الإذن من عدمه، مع إصداره مقررا معللا يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة للإذن بعد الاستماع للأبوين والاستعانة بخبرة طبية أو بحث اجتماعي، وذلك توجها من المشرع نحو حماية الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى في ذلك.
وبالرغم من أن الزواج المبكر استثناء من الأصل كما تقدم، فإن الإحصائيات والتقارير الرسمية الصادرة في هذا الموضوع تشير إلى أن المحاكم تعج بطلبات الإذن بزواج القاصر، فقد تلقت سنة 2019 ما يعادل 27623 طلبا للإذن بزواج القاصر (تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2019)، ما يجعل الظاهرة مقلقة مستأثرة باهتمامنا، وإذا كنا كقضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل السوسيو ثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، فإننا بالمقابل مسؤولون عن عدد الأذونات الممنوحة. وهو الأمر الذي يسائلنا جميعا، ويدعونا لعدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل، كما أن الوضع يسائل كافة المتدخلين لحماية الأطفال لتكثيف الجهد للحد من الظاهرة.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد كانت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها تسعى دائما إلى مواكبة انشغالات المجتمع من خلال طرح القضايا التي تستأثر باهتمامه للنقاش ومقاربة أية ظاهرة اجتماعية، يشتبه في انتهاكها لحقوق الإنسان عامة ولحقوق الطفل خاصة، مقاربة تقوم على أسس علمية من أجل فهم دقيق وصحيح.
ومواكبة منها لموضوع زواج القاصر وتفاعلا منها مع النقاش المجتمعي الدائر حول الزواج المبكر، وما له من انعكاسات وخيمة على الصحة النفسية والبدنية للطفل، جعلت رئاسة النيابة العامة زواج القاصر في صلب اهتمامها منذ شروعها في ممارسة مهامها بعد استقلال السلطة القضائية وعبرت عن ذلك، من خلال دوريتين الأولى تحت عدد 20 وتاريخ 29/03/2018 والثانية عدد 2 /س /ر ن ع/ د وتاريخ 21 يناير 2020 تحث من خلالهما قضاة النيابة العامة على تفعيل الصلاحيات المخولة لهم قانونا للحفاظ على حقوق الطفل ومصالحه الفضلى، وعدم التردد في التماس الرفض كلما اقتضت مصلحة القاصر ذلك ورسمت لهم بالتالي، خارطة طريق للنهوض بدورهم الحمائي للطفل بهذا الخصوص.
وفي نفس السياق يندرج مشروع رئاسة النيابة العامة والذي أشرف على نهايته والمتعلق بإنجاز دراسة تشخيصية حول موضوع زواج القاصر، هذه الدراسة التي تهدف إلى الوقوف على الحجم الحقيقي للظاهرة، فالأرقام الرسمية المعلنة ليست دائما حقيقية ولا تعكس الواقع، فهناك حالات لزواج القاصر لا تظهر للعيان ولا تدخل في الأرقام الرسمية كزواج الفاتحة وزواج الكونترا وغيرها. مما استدعى تخصيص جانب من الدراسة لبحث ميداني للوقوف على الانعكاسات السلبية لهذه الزيجات وكذا مصير الحالات التي منحت الإذن بالزواج.
وإعداد رئاسة النيابة العامة لهذه الدراسة ينبع من حرصها على تقديم معطيات علمية حقيقية ودقيقة حول زواج القاصر ليتسنى لها تقديم تصور شامل حول الظاهرة واقتراح حلول واقعية لها.
كما أن رئاسة النيابة العامة تؤمن دائما بعدم جدوى العمل الفردي والمقاربة الأحادية الجانب، وموضوع زواج القاصر هو ظاهرة اجتماعية يتداخل فيها القانوني بالاجتماعي بالاقتصادي بالديني بالثقافي…، وبالتالي فالمقاربة القانونية أو القضائية وحدها لن تكون مجدية بل إنها ليست الأساسية مقارنة بباقي فضاءات التدخل كالمدرسة والصحة والإعلام والمجتمع المدني وغيرها من الفضاءات المعنية بقضايا الطفل في بلادنا، لذا كان لزاما علينا الاشتغال معا واشراك جميع المتدخلين في هذا النقاش الهام.
ومن هذا المنطلق تبرز أهمية اتفاقية التعاون بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي التي تفتح المجال للاشتغال بمقاربة تشاركية للتصدي للهدر المدرسي باعتبار تلازمه مع ارتفاع حالات زواج القاصر، والمعول على ورشتنا اليوم أن تسلط الضوء على هذه الظاهرة وتقترح أنجع السبل للوقاية منها وتسخير كل المعطيات القانونية والاجتماعية المتاحة لتحقيق ذلك، سيما وأن التجربة بجهة مراكش آسفي منطلق للعمل قبل التعميم على باقي الجهات.
ولعل لقاءنا اليوم فرصة سانحة للاستفادة من آراء الجميع في الموضوع، وأتمنى لأشغاله التوفيق والسداد أن شاء الله.
وفي ختام هذه الكلمة أتوجه بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء وللسادة المتدخلين الذين سيغنون لا محالة بمداخلاتهم النقاش لنخلص إلى توصيات واقتراحات بناءة حول الموضوع لتكون أساسا لانطلاق العمل على أرض الواقع.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير عدالتنا ووطننا، وجعلنا جميعا عند حسن ظن سيدنا المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعز أمره وحفظه بما حفظ بد الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الجليل مولاي الحسن وشقيقته الأميرة للا خديجة وشد أزره بعونه الرشيد مولاي رشيد وكافة أفراد أسرته الشريفة, إنه سميع مجيب.
“وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته