استعرض الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، اليوم الثلاثاء بالرباط، الخطوط العريضة للتجربة المغربية في مجال تعزيز صلاحيات وأدوار مجلس المنافسة، بهدف مواكبة تحولات الاقتصاد الوطني، وحماية وجلب الاستثمار، وتطوير آليات الحكامة الجيدة.
وقال السيد الداكي، في كلمة ألقاها نيابة عنه رئيس قطب تتبع القضايا الجنائية والحريات العامة، عبد الرحيم حنين، خلال افتتاح أشغال ندوة دولية تنظمها على مدى يومين رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي حول موضوع “حماية النظام الاقتصادي ونظام المنافسة”، إن المملكة المغربية دشنت عهدا جديدا في مسار بناء صرحها الديمقراطي، وتعزيز أسس دولة الحق والقانون من خلال دستور 2011 ، الذي تضمن عدة مستجدات، أهمها الباب 12 المتعلق بالحكامة الجيدة ، وإحداث مجلس المنافسة.
وأضاف خلال هذه الجلسة الافتتاحية، التي تميزت بحضور ممثلين عن مجلس المنافسة والمعهد العالي للقضاء وعدد من الخبراء وقضاة الحكم وقضاة النيابة العامة والمسؤولين القضائيين، أنه بموجب الدستور الجديد، أصبح هذا المجلس يتمتع “بسلطة استشارية وتقريرية في مجال مراقبة الأسواق الاقتصادية، وزجر الممارسة المنافية لقواعد المنافسة، سواء كانت الممارسات ذات طابع فردي كالتعسف في استغلال الوضع المهيمن أو التعسف في استغلال التبعية الاقتصادية، أم كانت هذه الممارسات ذات صبغة جماعية كالاتفاقات الصريحة أو السرية من أجل الحد من المنافسة الشريفة”.
وفي سياق متصل، أشار إلى أن هذه المؤسسة الدستورية أصبحت، تبعا لذلك، تتوفر على الآليات التي تضمن الاستقلالية والحياد، مستطردا أنه اعتبارا للطابع الزجري للعقوبات الصادرة عن مجلس المنافسة، فإن المشرع المغربي، واحتراما لضمانات المحاكمة العادلة وحق الأطراف في ممارسة حق الطعن في قرارات المجلس أمام الهيئة القضائية، جعل القرارات الصادة عن هذا المجلس قابلة للطعن أمام القضاء”.
وأضاف أن إخضاع القرارات الزجرية الصادرة عن مجلس المنافسة للطعن أمام القضاء “هو تحصين لحقوق الدفاع وترسيخ لقرينة البراءة، وتقويم لسلامة الإجراءات الإدارية والقضائية التي قد تتبناها سلطة المنافسة، بقدر ما يرفع التحدي أمام القضاء سواء قضاء الأحكام أو قضاة النيابة العامة قصد الخوض في قوانين ذات طابع اقتصادي ولها تأثير على الحياة الاقتصادية للمقاولات ومستقبل التوازنات الاقتصادية، والتي تعد المنافسة الحرة الخالية من الممارسات المنافية لقواعد المنافسة شرطا أساسيا لإرسائها”.
وذكر بالتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي “ما فتئ يؤكد على أهمية استغلال المقومات الجغرافية والاقتصادية التي تزخر بها المملكة المغربية، من أجل حماية الاستثمار ، وتحفيز المنتوج الوطني، بالرفع من تنافسيته على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
وفي هذا الصدد، أكد أن تنزيل مبدأ المنافسة الحرة الذي اعتمده دستور المملكة المغربية، يتطلب “تأهيل مكونات السلطة القضائية في مجال القوانين الاقتصادية حتى يتسنى لها الحد من انتشار الجرائم الماسة بروح المنافسة الحرة، التي تعتبر السبيل الأمثل لحماية المستثمر من أشكال تعسف بعض الفاعلين الاقتصاديين في الأسواق، وكذا المستهلك الذي اعتبرته قوانين المنافسة أحد أهم الفئات التي يجب حمايتها من افتعال بعض المقاولات لممارسات بغرض التأثير على الأسعار بعيدا عن قاعدة العرض والطلب”.
وسلط السيذ الذاكي الضوء على الأهمية التي توليها رئاسة النيابة العامة لحماية النظام العام الاقتصادي، من خلال جعله من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية، مذكرا بمضامين الدورية الصادرة بتاريخ 24 يناير 2020، والتي تضمنت تعليمات للنيابات العامة بالمملكة تروم تفعيل المقتضيات الزجرية المرتبطة بمناخ الأعمال، ومن بينها القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، علاوة على اتفاقية الشراكة المبرمة بين رئاسة النيابة العامة ومجلس المنافسة بتاريخ 27 دجنبر 2021 ، والتي تهدف إلى تعزيز التنسيق من أجل محاربة كل أشكال الممارسات المنافية والمخلة بشروط المنافسة ، والتطبيق السليم للقانون وتوفير منافسة حرة ومشروعة قائمة على مبدأ تكافؤ الفرص.
من جهة ثانية، شدد على أهمية هذه الدورة التكوينية في إبراز دور القضاء في حماية الاستثمار والأسواق الاقتصادية من جهة، وتحسيس القضاة بأهمية الإلمام بالمقتضيات الموضوعية والإجرائية المؤطرة للمساطر القضائية المرتبطة بتطبيق قانون المنافسة من جهة أخرى، وذلك من أجل المساهمة في توفير الأمن القضائي والقانوني للمستثمر وللفاعل الاقتصادي.
وبهذه المناسبة، أكدت نائبة رئيس قسم إفريقيا بالمؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي، سنية ورتاني، على أهمية هذه الندوة في تعزيز التعاون بين ألمانيا والمغرب في مجال دعم وجلب الاستثمارات الداخلية والخارجية، وتعزيز الآليات القانونية التي تشجع على المنافسة.
ولفتت إلى أهمية تبادل التجارب بين الخبراء المغاربة والألمان من أجل تسليط الضوء على الآليات القضائية والقانونية ومساهمتها في تطبيق قوانين المنافسة، ومكافحة الاحتكار.
وتروم هذه الندوة ، المنظمة في إطار برنامج التعاون الذي يجمع رئاسة النيابة العامة بالمؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي، التعريف بقانون المنافسة في كل من المغرب وألمانيا، واستعراض أهم الجوانب الجنائية والمدنية لتطبيق قوانين المنافسة، وذلك بتأطير من خبراء مغاربة وألمان رفيعي المستوى، وعدد من المتخصصين في مجال المنافسة وحماية الأسواق الاقتصادية.
ويستفيد من هذه الندوة عدد من قضاة الحكم والنيابة العامة، بمشاركة كل من مجلس المنافسة والمعهد العالي للقضاء، وممثلين عن رئاسة النيابة العامة.
ويتمحور برنامج اليوم الأول للندوة حول قضايا تهم “قانون المنافسة في المغرب-المؤسسات، التنظيم”، و”المبادئ القانونية للمنافسة في ألمانيا ودور المكتب الفدرالي للمنافسة”، و”الجوانب الجنائية لقانون المنافسة في المغرب”، و” الجوانب الجنائية لقانون المنافسة في ألمانيا-الإطار القانوني والأمثلة التطبيقية”، و”فقه القضاء الألماني في مجال المنافسة”.
وبتضمن برنامج اليوم الثاني محاور تهم “دور محكمة الاستئناف بالرباط في تطبيق قانون حرية الأسعار والمنافسة”، و”دور النيابة العامة في التحقيق في جرائم المنافسة والتعاون مع كل الفاعلين لحماية المنافسة”، و” دور مجلس المنافسة في زجر المخالفات المتعلقة بقانون حرية الأسعار والمنافسة”، و”العقوبات الجنائية – خصوصيات القانون الجنائي التجاري وخطط الإصلاح”، و”الجوانب المدنية -المطالبة بالتعويض عن الضرر.